روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | اخلُ.. بنفسك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  اخلُ.. بنفسك
     عدد مرات المشاهدة: 2340        عدد مرات الإرسال: 0

ها نحن في موسم الحج، وهو موسم عظيم رائع جليل تغفر فيه السيئات، ويتجاوز فيه عن الخطيئات، وتقال فيه العثرات.

ويعود فيه أناس كثيرون إلى الله تعالى سواء حجوا إلى البيت العتيق أم حرموا من ذلك الأجر العظيم والشرف الرفيع.

وهو مناسبة عظيمة للاختلاء بالنفس ومراجعة الحال، فنحن طوال السنة في ركض وانشغال، لا نكاد نستفيق من زحمة هذه الأشغال إلا لنقع في أعمال أخرى وهكذا، فأتانا الله تعالى بهذا الخير العظيم والفرصة المباركة حتى نرجع فنراجع، ونسمو بنفوسنا وأرواحنا.

أما غير الحجاج فيوم عرفة وصيامه يهيئ النفس لهذه الخلوة المطلوبة خاصة أنه يوم إجازة من العمل في معظم البلاد الإسلامية.

وأما الحجاج فالخلوة في حقهم آكد، والحاجة إليها أعظم، وهو متوافرة في أيام الحج لطبيعة هذه العبادة ولانشغال أكثر الناس بأنفسهم وما فرغوها له.

وفوائد الخلوة كثيرة، منها: 

1- أنها تهيئ النفس للمراجعة والتوبة، والعزم على التغيير الجاد بعد أداء العبادة، ورد المظالم لأهلها، وهذا من أهم الأمور التي لو وفق فيها العبد لكان قد وفق إلى شيء عظيم.

2- تعود الشخص على الإقلال من الخلطة والكلام أثناء أداء هذه العبادة العظيمة، مما يعود عليه إيجاباً بعد الفراغ من موسم الحج؛ إذ ليس أضر على الإنسان من كثرة الكلام والهذر مما يوقعه في الكثير من الأخطاء والخطايا.

وكان شريح – أحد التابعين - إذا أحرم صار كأنه حية صماء، لا يتكلم، نعم نحن لا نريد أن نكون هكذا لكن نريد أن نستغل الموسم استغلالاً حسناً يعود علينا بالآثار الإيجابية الحسنة ومنها القوة على ضبط اللسان والإقلال من الكلام.

3- الخلوة مهمة للازدياد من العبادة والتقرب، فقد كان مسروق – أحد كبار التابعين – إذا حج لم يزل ساجداً حتى يرجع، يعني أنه كان يكثر من الصلاة، وهنا الأمر – أي الازدياد من العبادة والتقرب - نحن في أمس الحاجة إليه بعد أن غزانا الجفاف الروحي وصرنا أسرى لشهواتنا ومحبوباتنا.

4- الخلوة مهمة للازدياد من ذكر الله تعالى، خاصة أن الحج عبادة شرعية للإكثار من الذكر، فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (إنما شرع الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) والحديث حسن.

وذكر الله تعالى عبادة رائعة جليلة، أجرها عظيم وثوابها كبير والجهد المبذول لها قليل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:  سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) والحديث في الصحيح.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  سبق المفردون، قيل:  وما المفردون يا رسول الله؟ قال:  الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) والحديث في الصحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم:  (أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت:  سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) والحديث صحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) والحديث في الصحيح.

وليحافظ الحاج على أذكار الصباح والمساء ففيهما حفظ له وصيانة، ويترتب عليهما أجر كبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم:  (ما من عبد مسلم يقول صباح كل يوم ومساء كل ليلة:  بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم فيضره شيء) والحديث صحيح.

وأخيراً: 

الخلوة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم سبق بها الأديان والمذاهب والأفكار والتجارب في هذا المجال سواء السبق الزماني، أو في الكيفية والأداء، إذ غلا معظم هؤلاء وأوجب على أتباعهم خلوة تذهب بمصالح ديناهم، أو تضرهم في أجسادهم أو نفوسهم، أو عقولهم.

أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضبطها ضبطاً عظيماً، فقد كان يخلو بنفسه في العشر الأواخر، وهي مدة لطيفة لها شروطها وضوابطها، ولها آثارها الإيجابية على الإنسان، فمن استطاع أن يخلو العشر الأواخر - وهو الاعتكاف - كان حسناً، ومن لم يستطع فعليه أن يعوض شيئاً ما بخلوته في المواسم كالحج مثلاً.

وهي خلوة جزئية شعورية، إذ الناس محيطون به، لكن خلوته هنا تعني انقطاعه عن مشاغل الحياة الدنيا لأيام يسيرات، وتفرغه الذهني والقلبي والعاطفي لما هو مقبل عليه من رحلة الخلود الطويلة، وإقلاله إلى الحد المستطاع من التعلق بالآخرين حديثاً وجدالاً وإقبالاً، فإن صنع ذلك حقق المراد من حجه، ورجع بالمغفرة من ربه، واستقامت حياته بعد ذلك، وهذا هو المراد من العبادة.

والعالم الإسلامي اليوم مليء بمشكلات لا بد لها من حلول، وأعداؤنا يتربصون بنا ويحيطون بنا إحاطة السوار بالمعصم، فليس هناك مخرج إلا أن نغير من طرائق حياتنا ونقبل على مولانا العظيم، ونخرج من خطايانا وذنوبنا، ونستقبل حياة جديدة، إذ قد حان الوقت للاستفادة من العبادة.

وعدم تأديتها على وجه اعتيادي مكرور لا يعود على صاحبها بالتأثير المناسب أو الأثر المرجو، وهذا الذي عانى منه العالم الإسلامي طويلاً، فالمسلمون يصومون ويصلون ويحجون لكن الملاحظ أن أثر هذه العباد عليهم محدود أو ضعيف.

والسبب أنهم لم ينظروا إلى الحكمة من فرض هذه العبادة، ولم يسلكوا بها المسالك الحميدة التي سلكها أسلافهم فصار أكثر المسلمين أشبه بغثاء السيل لا قيمة لهم ولا وزن في الحياة، والله المستعان.
 

الكاتب: الدكتور محمد موسى الشريف

المصدر: موقع التاريخ